بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه.
أما بعد:
فمنظومة: (ناظمة الزهر) للإمام الشاطبي رحمه الله من أفضل مصنفات علم عد الآي، لا سيما وقد اختصرت كتاب (البيان في عد آي القرآن) لإمام القراءات وعلومها أبي عمرو الداني رحمه الله، ويعد هذا الكتاب للإمام الداني من أهم أصول علم عد الآي؛ كونه كتاباً مؤلفاً في هذا العلم على وجه الخصوص، ولما تميز به هذا الكتاب من إسناد كل عد من الأعداد من المؤلف إلى الإمام المروي عنه ذلك العد، إضافة إلى أن ناظم هذه المنظومة المباركة هو الإمام الشاطبي صاحب القريحة الأدبية الفائقة، والحافظة العجيبة، فهذا كله يجعل لناظمة الزهر تلك المكانة المرموقة، والأهمية الكبيرة عند رواد علم عد الآي، وقد عشت مع هذه المنظومة المباركة عدة سنوات دراسة وتدريساً وبحثاً في دقائها، ولقلة شروحها بشكل ملحوظ كنت أجد بعض الإشكالات فيها، ولا أجد ما يدفع تلك الإشكالات من خلال شروحها القليلة التي تقتصر في الغالب على فك رموزها، فكل ذلك دفعني إلى التدقيق فيها، واستقراء بعض القواعد والمصطلحات التي فيها، ووضعت ذلك في وريقات يسيرة نحواً من 30 صفحة أسميتها (إتحاف الغر بما في ناظمة الزهر)، وها أنا أورد هنا بعضاً منها سائلاً المولى عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن أنتفع وأنفع بها.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله:
وعد أبى جاد به بعد الاسم من **** أوائل خذ والواو تفصل فى الإثر
وقال في موضع آخر:
وسميت أهل العد في آي خلفهم **** بستتها الأولى ورتبت ما أجرى
جعلـت المديني أولاً ثم آخراً **** ومك إلى شام وكوف إلى بصري
يُلاحظ أنَّ الناظم ـ رحمه الله ـ جعل للواو ثلاثَ دلالاتٍ:
فقد ذكر في البيت الأول أنها رمزٌ للرقم: ( 6 ), وذلك باعتبار حساب الجمل؛ إذ إن الواو من (هوز) تساوي هذا الرقم.
وفي الشطر الثاني من نفس البيت ذكر أنها فاصلة يُفصَل بها، وذلك في قوله: (والواو تفصل فى الإثر).
وذكر في البيتين الأخيرين أنها رمزٌ للعد البصري.
فقد يقع إشكالٌ في التمييز بين دلالاتها، ولرفع هذا الإشكال لا بد من التفصيل الآتي :
أولاً : الحالاتُ الَّتيْ تُستَعملُ فيها الواوُ للدَّلالةِ على الرَّقمِ : ( 6 ) :
لم تأت الواو دالةً على الرقم: ( 6 ) في الناظمة إلا في عشرة مواضع فقط, وذلك في السور الآتية: (( الأعراف, الكهف, فاطر, الواقعة, المدثر, المطففين, الطارق, الغاشية، الماعون، الكافرون)),
ولمجيئها دالة على الرقم : ( 6 ) حالتان :
الحالة الأولى :
أن تأتيَ بعد ذِكْر أهل العد بالاسم الصريح ، أو بالرموز الكلمية ، أو بهما معًا في بدايات السُّوَرِ وذلك في خمسةِ مواضع وهي :
1ـ سورة الأعراف( وَالَاعرافُ عن كوفٍ و(صَدْرٍ)
وَ)فَى(رِ)ضًى ))[ البيت : 106 ] .
2ـ سورة الكهف( وَشَامٍ : (وَ)عَى وَقْرِ ))[ البيت : 142] .
3ـ سورة الواقعة( وَالْكُوْفِ: (وَ)جْهٌ ))[ البيت : 232 ] .
4ـ سورة الطارق( وَالَاوَّلُ: (وَ)الَى ))[ البيت : 276 ] .
5ـ سورة الماعون( وَ(كُـثْرٌ): (وَ)لا ))[ البيت : 290 ] .
فالواو في هذه المواضع تدل على الرقم : ( 6 ) .
الحالة الثانية :
أن تأتيَ بعد ذِكْر اسم السُّوْرَةِ , وذلك في خمسة مواضع ـ أيضًا ـ وهي :
1ـ سورة فاطر( وَالَاخِرُ وَالشَّاميْ بفاطِرَ : (مُـ)ـذْ (وَ)لِيْ ))[ البيت : 185], وهنا لم تأت الواو بعد ذكر السورة مباشرة , وإنما فصل بينهما حرف الميم الدال على الرقم : ( 40 ) .
2ـ سورة المدثر( وَتِلْوٌ : (نَـ)لْ (وَ)لا ))[ البيت : 261 ] وهنا لم تأت الواو بعد ذكر السورة مباشرة, وإنما فصل بينهما حرف النون الدال على الرقم : ( 50 ).
3ـ سورة المطففين( وَطُفِّفَتْ: (وَ)لا (لُـ)ذْ ))[ البيت : 274 ] .
4ـ سورة الغاشية(وَتِلْوٌ : (كَـ)لَتْ (وَ)قْرِ ))[ البيت : 276 ]وهنا لم تأت الواو بعد ذكر السورة مباشرة, وإنما فصل بينهما الكاف الدال على الرقم : ( 20 ).
5ـ سورة الكافرون( وَفَوْقُ: (وَ)لا ))[ البيت : 292 ] .
فالواو في هذه المواضع تدل ـ أيضًا ـ على الرقم : ( 6 ) .
يـتبـــــــــــــع إن شاء الله تعالى.