قيل وأخواتها
اختلف القراء في إشمام الضم في أوائل ستة أفعال قد اعتلت عيناتها، وقلبت حركتها على ما قبلها، فسكنت العينات، وقلبت ما فيه واو ياءات لانكسار ما قبلها، وتلك الأفعال: ((سيئ ، وسيق، وحيل ، وجئ ، وقيل ، وغيض)) . ما حجة من قرأ بالإشمام ومن قرأ بالكسر؟
حجة من قرأ بالإشمام، في أوائل هذه الأفعال الستة ، أن أصلها أن تكون مضمومة ، لأنها أفعال لم يسم فاعلها، منها أربعة ، أصل الثاني منها واو ، وهي ((سيئ ، وسيق ، وحيل وقيل))، ومنها فعلان ، أصل الثاني منها ياء وهما ((غيض ، وجيء)) ، وأصلها: (سوي ، وقول ، وحول ، وسوق ، وغيض وجيء)) ثم ألقيت حركة الثاني منها على الأول فانكسر وحذفت ضمته وسكن الثاني منها ورجعت الواو إلى الياء لانكسار ما قبلها وسكونها . فمن أشم أوائلها الضم أراد أن يبين ، أن أصل أوائلها الضم، كما أن من أمال الألف ، في ((رمى ، وقضى)) ونحوه ، أراد أن يبين ، أن أصل الألف الياء، ومن شأن العرب في كثير من كلامها المحافظة على بقاء ما يدل على الأصول. وأيضا فإنها أفعال بنيت للمفعول. فمن أشم أراد أن يبقى في الفعل ما يدل على أنه مبني للمفعول لا للفاعل.
وعله من كسر أوائلها أنه أتى بها على ما وجب لها من الاعتلال كما أتى من لم يمل ((رمى، وقضى)) ونحوه، بالألف والفتح، على ما وجب لهما من الاعتلال.
فإن قيل: فلم أجمعت العرب على ترك الإشارة في ((قل ، وبع )) وأصل حركة الأول فيها الفتح، والضم والكسر ليسا بأصل فيهما. كذلك أجمعوا على ترك الإشارة إلى ضمة الواو، التي كانت في أصل ((يقوم ،ويقول ))، وأصلها الضم، فنقلت الضمة، التي على الواو، إلى ما قبلها، وسكنت الواو. وكذلك أجمعوا على ترك الإشارة إلى كسرة الياء في ((يبيع ، ويكيل)) وأصلها الكسرة، ثم نقلت الكسرة إلى الحرف الذي قبلها، وسكنت الياء فيهما.
فالجواب أن الحركة التي كانت على هذه الحروف باقية في الكلمة لم تحذف وهي ضمة القاف في(يقوم ويقول) وكسرة الياء والكاف في (يبيع ويكيل), فلما كانت الحركة باقية لم تحتج إلى الإشارة. إنما تقع الإشارة لتدل على الحركة المحذوفة من الكلام. فلما كانت ضمة أوائل الأفعال الستة محذوفة, أتى بالإشارة لتدل على الحركة المحذوفة من الكلام. فأما من أشم الضم في بعضها وتركه في بعض, فإنه قرأ على ما نقل وجمع بين اللغتين إذ الإشارة وتركها لغتان فاشيتان مشهورتان.
فإن قيل: هل تسمع هذه الإشارة أو لا تسمع، وهل ترى أو لا ترى ، وهل تحكم على الحرف الأول، الذي معه الإشارة، بالضم أو بالكسر؟
فالجواب: أن الإشارة إلى الضم، في هذه الأفعال، تسمع وترى في نفس الحرف الأول، والحرف الأول مكسور،ومع ذلك الكسر إشارة إلى الضم، تخالطه ، كما أن الحرف المتحرك الممال، لإمالة فيه، تسمع وترى في نفس الحرف الممال، والممال مفتوح، ومع ذلك الفتح إشارة إلى الكسر تخالطه، لتقريب الألف ، والتي من أجلها وقعت الإمالة، إلى الياء، وكذلك تقريب الألف الممالة إلى الياء في حال الإمالة تسمع وترى لأنها ليست بحركة، وليس الحرف الأول من هذه الأفعال بمضموم, إنما هو مكسور، يخالط كسرته شيء من ضم يسمع، كما أن الحرف، المفتوح الممال، حكمه الفتح، ويخالط فتحته شيء من كسرة، يسمع. فبالحرف الممال يشبه هذه الإشارة إلى الضم، في هذه الأفعال، سيبويه وغيره ، ألا ترى أن أوائل هذه الأفعال، لو كانت مضمومة، أو الضم أغلب عليها، لانقلبت الياءات واوات، إذ ليس في كلام العرب ياء ساكنة قبلها ضمة. فلولا أن الحرف الأول مكسور ما ثبت لفظ الياء فيهن، ويدل على ذلك أن بعض العرب يترك أوائل هذه الأفعال على ضمته، التي وجبت له، وهو فعل ما لم يسم فاعله. فإذا فعل ذلك أتى بالواو في جميعها فقال : (قُوِل، وحُوِل ، سُوِق)) ونحوه.
وأما ما وقع من هذا من المصادر فلا يجوز فيه إشارة إلى ضم البتة، وذلك قوله: (وأقوم قيلا) ((المزمل 6)) و (إلا قيلا سلاما) ((الواقعة 26)) و (قيله يا رب)) ((الزخرف 88)) و (من أصدق من الله قيلا) ((النساء 122)). وإنما وجب ذلك، لأنها مصادر، لا أصل لأوائلها في الضم.